التهمة الخامسة : وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً
“وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً “
[النساء : 157]
سنتناول هذا النص من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً هو وصف القرءان لمشهد الصلب والقتل والقيامة .
كذلك هنا وبعد أثبات عدم التحريف فالقرءان يصرح فى أول الآية بعدم صلب المسيح أما فى نهاية الآية فيقول وما قتلوه يقيناً .
فأعرني سمعك وبصرك ولا تكن كما قال القرءان :
“وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ”
[الأعراف : 179]
فالكتاب المقدس وصف لنا مشهد صلب وموت المسيح على الصليب ثم قيامته وخروجه من القبر ثم بعد ذلك صعوده .
فهنا فى هذا المشهد ألا وهو مشهد الصلب والقيامة من الموت , لو تم وصفه بآية القرءان [النساء : 157] , لظهر لنا بوضوح تأويل تلك الآية وما هو المقصود بعبارة “وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً “, ويكون التأويل هو بأنه ما دام قام بعد الصلب والموت، فذلك يعني أنه يقيناً لم يصلب وبالتالي لم يقتل .
أخى الكريم وأختى الكريمة أما زلت معى بسمعك وبصرك وقلبك فإن كنت مازلت تدرك بهم الحقيقة فسوف تقر معي ما أقره القرءان :
“وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” [آل عمران : 49]
“إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ” [المائدة : 110]
وهنا هو السؤال المهم الآن , ألا وهو :
فمن يحي الموتى ويخرج الموتى ويخلق الطير من الطين ويشفى المرضى ويعلم الغيب، ألا يقدر أن يقيم نفسه من الموت بل ويُخرج نفسه من القبر
فتدبر أخى وأختى كما قال القرءان :
“أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ” [محمد : 24]
فهنا وبالتصريح القرءاني بما امتلأ به الكتاب المقدس، نجد أن المسيح هو الرب الإله، وذلك يُعد تصديق للكتاب المقدس وأنه لم يتم تحريفه .
فكيف للكتاب المقدس أن يقول أن المسيح هو الله وذلك بإقرار القرءان له وفى نفس الوقت يقول مبشراً برسول أسمه أحمد، فتدبر ؟
أخوتاه أختم بهذه النص من القرءان :
“وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ” [القمر : 15]
- الوجه الثاني : هو أن اليهود لم يقتلوا المسيح بالفعل .
“وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً “
[النساء : 157]
نص الكتاب المقدس على أن بِيلاَطُسُ الحاكم الروماني هو الذي صلب وقتل المسيح كما يلي من آيات الكتاب المقدس:
متى : 27 : 1 : وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْب عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ
متى : 27 : 13 : فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ : أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ ؟
متى : 27 : 17 : فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ : مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ ؟
متى : 27 : 26 : حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ ، وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ .
فالقرءان هنا في هذا النص القرءاني يبين حقيقة أن الرومان هم الذين صلبوا وقتلوا المسيح وليس اليهود .
- الوجه الثالث : الإشكال الذي قيل في النص السابق وهو : أن النص القرءاني يُقِر بأن اليهود قد قالوا أنهم قتلوا المسيح رسول الله .
“وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً “
[النساء : 157]
وما يخبرنا به النص هو حقيقة ممتنعة في حق اليهود بأنهم قد اعترفوا بقتل رسول الله .
لأن اليهود وطبقاً للكتاب المقدس لم يعترفوا بأن المسيح هو رسول من عند الله ولا أنه المسيح المنتظر .
والقرءان يُقِر أيضاً بأن اليهود لم يعترفوا بأنه هو المسيح ولا هو رسول من عند الله .
“وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ “
[التوبة : 30]
“وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ” [البقرة : 113]
هنا ومن النصَّين السابقين نجد أن القرءان يُقِر بما قالته النصارى وهو أن الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ .
وأن اليهود قالت بأنه لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ , فهذا يؤكد أن اليهود لم يعترفوا بالمسيح بأنه مقدس من عند الله .
“فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” [آل عمران : 52]
فاليهود هنا قد كقروا بالمسيح كرسول من عند الله فكيف يقولون بأنا قتلنا الرسول ؟ فاقرء السياق القرءاني بالكامل لتتحقق .
“فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ” [مريم : 27 , 28]
أيضاً اليهود وطبقاً للكتاب المقدس لم يتهموا مريم بهذه التهمة في النص السابق .
“وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ “
[الصف : 6]
فهنا وفي النص السابق إقرار من القرءان صريح بعدم اعتراف بني إسرائيل بأن عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رسول الله .
فكيف إذن يعترفوا بأنهم قتلوا رسول الله ؟
لو كان الاعتراف بالقتل بدون أنه رسول الله فحينذ يمكن أن ينظر فيه .